الرسالة
” إلى زوجتي الحبيبة، إلى أم عيالي،
أكتب لكِ هذه الرسالة، وكلي أمل بعفوك، وإيمان بحكمك، وثقة بقدرتك على تحمل طيشي. رغم عِظم ما اقترفت يداي.
تعرفين أني لا أحب أحدًا بقدرِك، وأني أقضي جل وقتي برفقتك. عاداتنا تتشابه، واهتماماتنا تتقاطع، ونكاد نصبح كتلةً واحدة. أصبحتِ مهتمة بالرياضات التي أحب، وصرت أنتظر تفرغك حتى نشاهدها سويةً.
بل وأتحداكِ أن تذكري لي عشيقين -أعرف أنكِ تحبين هذه الكلمة، يا طفلة- مثلنا؛ مر عقدين من الزمان وما زلنا نتشارك أصغر التفاصيل ونُقبّل بعضنا قبل النوم، وحين الاستيقاظ، ونحبنا كأن سنة هي كل ما مر. وكل هذا يجعل غلطتي أعظم.
تتذكرين رحلة العمل إلى معرض الشارقة الدولي للكتاب قبل عشرة أشهر لأوقع مجموعتي القصصية؟
لم أذهب لمعرض الشارقة، ولم أوقع كتابي كما خدعتك، بل ولم أذهب إلى الإمارات حتى، ذهبت إلى دولةٍ أخرى، لغرضٍ آخر.
يا حبيبة القلب، كيف ستغفرين لي فعلتي.
أظن أن أكبر مشكلة تواجهنا الآن كأبوين لأربعة أطفال هو أن أحدنا -أنا- أضاف طفلًا جديدًا للتشكيلة.
والله أنها حلفت لي بأنها عاقر، وأنها تنتظم على حبوب منع الحمل، ولا تسأليني كيف تنتظم عاقر على حبوب منع الحمل، فهذه ليست طامتنا الكبرى. الطامة هي ذنبي العظيم، فأنا خنتك، ولعبت بذيلي.
أنا آسف، ليس على خيانتي لك يا بسبوسة حياتي، ولكن على شيءٍ آخر.
تتذكرين لمّا دق الجرس الأسبوع الماضي وعدت ووجهي “مخطوف” كأمًا لأربعة قطط اكتشفت أخيرًا أن القطط لا تفهم فكرة الحب حتى؟
الطارق كانت المرأة التي قابلتها في المرقص. لم أتعرف عليها حتى، فما حدث ذلك اليوم كان عابرًا، ولم يحمل أي وزن في حياتي. هي، بالمقابل تعرفت علي مباشرة، يبدو أن ميزان علاقاتها معيب.
نهرتها وطردتها وهددتها بالجوازات فهي أتت للسعودية تهريب -لا أفهم كيف تدخل امرأة بطفلٍ خلسة- فهربت متوعدةً بأنها تعرف بيتي.
أنا آسف، ليس على اقتحامها المفاجئ لحياتنا يا دباديب قلبي، ولكن على شيءٍ آخر.
ليلة أمس، بعد أن أخذت ابننا خالد من الروضة وفور وصولنا للمنزل، صفعت يدٌ كمضرب التميس زجاج السيارة، منذ وقوع الحادثة وأنا أفكر عما كان سيحدث لو أنّي لم أوصد الباب في آخر لحظة.
ماذا كان سيحصل لآخر العنقود، ابننا خالد المدلل الذي لم نرفع صوتنا عليه يومًا؟
ماذا كان سيحصل لابننا النائم في المقعد الخلفي كملاكٍ لم تُدنِّس الخطيئة بياض جناحيه؟
ماذا كان سيحصل…
لم أخف من اليد العملاقة، فأنا رجل سيلوذ أبنه به وإن كلفه ذلك حياته، ولكن حملت يد الرجل الأخرى سكين، وهذا سبب الكشط في زجاج السيارة الذي سألتي عنه، ولم يكن هرةً مجنونة. أما خالد فكما أخبرتك، كان نائمًا ولم يشهد الاعتداء.
أما بالنسبة إلى الرجل الغريب الذي كان يردد اسم الفاجرة -التي تتدعي أن الرضيع الذي بين يديها من صلبي- فقد هرب عندما أدعيت أني سأتصل على الشرطة. قبل هروبه هددني بعودته، ولهذا ركّبنا الكاميرات اليوم.
أنا آسف، ليس على الخوف الذي اتسبب به الآن يا صرصورتي، ولكن على شيءٍ آخر.
قد يوهمك عقلك بكرهي الآن، ولكنك لا تكرهينني وسينقشع الغباب ويتجلى اليقين عندما تصلين إلى نهاية الرسالة، وقد اقتربنا منها.
عند خروجي من الدوام عصر اليوم وقفت في طريقي سيارة شرطة، لأول مرة في حياتي أُكبّل وأُساق إلى مؤخرة دورية، عاملني الشرطي وكأني جهيمان أو صدام حسين. لو أخبرك عن احمرار وجنتي، وضيق تنفسي، وارتعاش أطرافي بسبب حدج زملائي لي في هذا الوضع المؤسف لن تصدقيني ولو أقسمت بأغلظ الأيمان. شعرت بأني عارٍ، عارٍ!
سمحوا لي في القسم بكتابة هذه الرسالة لك بعدما مسحوا البلاط بوجهي واحتجزوني مع ستة أشخاص في غرفة 2 في 3. الرائحة هنا مقرفة، مزيج من الفضلات، والإيدامات، ورائحة المعدن. كل شيءٍ هُنا معدن، القضبان والكراسي والجدران. أبي قادم، وأبيكِ أيضًا. الكل قادم، والكل مطرطع.
أنا آسفٌ أشد الأسف يا طقطقة عظامي، ولكن ليس لأن أحدًا غيرك شاهدني عاريًا -ولو في خيالي-.
والآن أريدك أن تجلسي وتأخذي نفسًا عميقًا وتلعني الشيطان قبل قراءة الأسطر القادمة.
لم يعريني أو يحدجني أحد، ولست في “حوزة” رجال الشرطة. لم يهددني صاحب يد مضرب التميس بسكين، وأبننا خالد ثرثار يكره النوم كما تعرفين، والكشوط على السيارة هي بالفعل هرةً مجنونة -صورتها وهي تهاجم الزجاج- ولا تعرف المرأة بيتنا لأن لا وجود لها أصلًا. لم يحمل أحد بنطفتي -غيرك- ولم أذهب لأي دولةٍ لا تعرفين عنها.
وقبل عشرة أشهر ذهبت إلى معرض الشارقة -كما أخبرتك- والإقبال على الكتاب كان كما تمنيت وأكثر -كما أخبرتك- حتى أني قررت الشروع في كتابة المجموعة القصصية الثانية، لم أخنكِ في حياتي يا حياتي ولن أفعل.
كل ما في الأمر أن صديقي مجد أتى للرياض وسيكون ضيفي في الأيام الثلاثة القادمة لذلك لا أستطيع أخذك لموسم العُلا في عطلة نهاية الأسبوع كما وعدتك. أعرف أن هذه آخر إجازة تستطيعين أخذها هذه السنة، وأعرف أننا ما زلنا في شهر ثمانية، وأعرف أن هذه المرة السادسة التي أخلف فيها وعد أخذك لعطلة تروح عن كتفيكِ هموم الدوام، لكن لم أستطع رد الرجل، وأنتِ تعرفين الخدمات التي قدمها لنا، فكيف سنبدو إن رفضنا خدمته؟
بفضل الحكمة التي اكتسبناها من القصة المزيفة التي رويتها، لو حللنا ظنونك التي كان من الممكن أن أخيبها يا زوجتي العزيزة، أستطيع القول بأن من بين جميع خيبات الأمل، هذه أفضل خيبة ممكنة.
آسفٌ مجددًا،
أحبك،
أتقبل الشتائم والتهديدات، عندك رقمي،
زوجك الحبيب -يا رب-“
شكرا لأني طرطعت، وتنرفزت وتجاوزت اسطر عشان اوصل لنهاية المرمطة واشوف بعيني سواد الوجه وقل الخاتمة … لكن بما انه صاحبك مسموح 🙋🏻♀️ لكن لا تعيدها 🥹
أنا انبسطت بدل زوجته! 😭😭😂
مجنون كيف اقنعنا حتى احنا القراء!