تدوينة

علبة كاتشب ولحظة إدراك

كنت نحلة نشاط، لكن سبب نشاطها لم يكن شغفها بالعمل، بل قلقها من أن تموت جوعًا.

 

أيامي شاقة كمارثون، ومؤخرًا اضطررت للاعتراف بأني لست مجرد متسابق في هذا المارثون فأنا أيضًا المنظّم والمنافسين. وبما إني أشكّل جميع المتنافسين، فأنا دائمًا خاسر بطريقةٍ ما وإن حللت في المركز الأول.

البحث المحموم عن الإنجاز، والقلق من عدم الوصول، والإحساس المتضخم بالأهمية جعل الفتى يولع بتختيم الحياة وهو لم يفض البلاستيك عن الشريط بعد (تشبيه للقيمرز).

وخلال بحثي المتعلق بمشروعٍ قادم، قرأت تدوينة عن الحياة البطيئة. هذا الموضوع مزعج بالنسبة لي، ويستمد إزعاجه من رغبتي بتجاهله رغم معرفتي بضروريته. اعتدت الهرب منه إلى منطقة راحتي بأسئلةٍ تجنبية مثل:

  • هل أقدر أعيش حياةً بطيئة بعد عقدين من الزمن، عندما يصبح جسدي بطيئًا أيضًا؟
  • هل أقدر أنهي هذه المهمة فقط ثم سأنتهج هذا النهج الرائع؟
  • هل أقدر ابدأ من الأحد القادم؟

 

لماذا ترفض الحياة البطيئة؟

 

في زمنٍ سابق ظنيّت أني مخترق لقوانين البشر فما ينطبق عليهم لا ينطبق علي، ولن أقول إني تخلّصت من جميع هذه الأفكار، لكن تجلت لي بعض المفاهيم المهمة في الفترة الماضية. وأولها هو أن أغلب الأفكار التي تحاول إقناعك بأنك خارق، ورائع، ولا تنطبق عليك القواعد هي أفكار تأتي من منطقة خوف وقلق وضعف إدراك بالذات.

فالخوف من قلة الفرص في مجال الكتابة الإبداعية دفعني لأعمل في ثلاث وظائف وقبول جميع المشاريع بلا تمييز.

والقلق من مآل مستقبلي الوظيفي (أو بوضوح أكثر القلق من فصلي من إحدى الوظائف الثلاثة والذي أسبابه أيضًا متعلقة بمشاكل خوف وثقة) جعلني استمر في تلك الوظائف قرابة الستة أشهر.

كنت نحلة نشاط، لكن سبب نشاطها لم يكن شغفها بالعمل، بل قلقها من أن تموت جوعًا.

 

التغير المفاجئ

 

كم أود لو أفتتح هذه الفقرة بجملةٍ رهيبة تُصادق على عنوانها. ولكن للأسف، لم يكن التغير مفاجئًا، ولم تأتِ تلك اللحظة الهوليوودية التي أفتح فيها عيني عن آخرها وأقول: “لقيت المشكلة!” ثم تصبح حياتي أسطورية.

ولكن الدراما عوضت عن المفاجأة فكانت “لحظة الإدراك” كما نسميها في الكتابة قوية، وصافية، ولها رائحة حزنٍ خفيفة. أظنني كنت اشتري علبة كاتشب واستمع لمقطع عن فظائع الحجّاج لما أصبحت الفكرة واضحة.

ولم يكن قدومها عشوائيًا -رغم أنه يبدو كذلك- بل هو أتى تراكميًا. فهذا الإدراك “المفاجئ” بُني من اللحظة التي وقّعت فيها 3 عقود عمل جزئي في نفس الأسبوع.

أما عن أسطورية حياتي، فهي لم تصبح كذلك بعد، فمعرفتك بأنك تركض لا يشترط أن توقفك عن الركض، والحمدلله على كل حال.

 

الحياة القلقة

 

كلنا نعيش حياةً قلقة، إلا أن حلها ليس في استثمار مئة ألف، وادخار مئة ألف أخرى، ووضع مئة ألف ثالثة ككاش طوارئ، وادخار مبلغ كوب القهوة وطبخ أكلك بنفسك أو تعلّم مهارة تدر عليك دخلًا بديلًا. ولا أن تشطب عشرون مهمة في اليوم، بل لا شيء يؤلم أكثر من الخواء الذي يتبع شطب مهام اليوم. وحتمًا ليس حلها رؤية أعداد المتابعين يزداد يومًا تلو آخر.

الصراحة ما أعرف الحل إلى الآن فهو حتمًا ليس التوقف عن السباق، لكن أرجو أن يكون عطفي على نفسي وتفهّم تعبها من الركض المستمر في هذا المارثون الذاتي خطوةً حثيثةً نحوه.

اكتب هذه التدوينة وأنا لست ضامنًا إن كان أسبوعي هذا سيكون أقل ركضًا من سابقه، لكن لعله حسن ظن بنفسي وإحراج لها، فكيف تستمر بالركض يا محمد وأنت كتبت تدوينة تدعي فيها إدراكك لمخاطر هذا الركض :)؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى