تأملات حول المولات
ككل المتسوقين، أحيانًا أحزن على باعة الأكشاك بسبب تجاهل الناس لهم وأحيانًا أكون أنا من يتجاهلهم.
تجاربي المريعة مع المجمعات التجارية عقّدت علاقتي معها، سواءً الرحلات الجنونية في العشر الأواخر من رمضان أو عندما أظن من كثر طوافنا حول المحلات أن أمي تبحث عن قطعة يحاول المجمع كله إخفاءها عنها.
ولكن خلال السنة ونصف الماضية تغيّرت علاقتي بالمجمعات بسبب تغير سبب قصدي لها، تحوّل السبب من التبضع ومرافقة المتبضعين إلى حضور السينما أو زيارة مكتبة فيرجن أو تناول وجبة سريعة حزينة، وحدث هذا التغير منذ انتقالي بسبب العمل إلى جدة وبعدها إلى الرياض.
ولأن أغلب زياراتي كانت لتمضية الوقت قبل بدء الفيلم تحولت إلى مُلاحِظ نوعًا ما، وهذه الملاحظات التي جمعتها حول المجمعات التجارية في الفترة السابقة.
أنواع الناس في المولات
والأنواع هنا تشمل مولات الرياض وجدة، فلم ألحظ فرقًا كبيرًا بين المدينتين إلا في عدد لابسي الثياب. والناس في الأسواق أحزابٌ تختلف عاداتهم. وهذه المجموعات ممن لاحظت:
- حزب المسكينة:
يتألف من أمٍ وأطفالها، في العادة لا يتوقف الأطفال عن الركض والحركة والأسئلة ويتوقفون عند أي كشك حلويات أو ذرة. ولا أعرف ما القوة السرية التي أمد الله بها هذه الأم، ولكنّي أدعي الله ألا يقطع الإمداد فلا أعرف مصدرًا آخر لهذه الطاقة.
- حزب المسكين:
وهذا أبٌ جاء بعائلته إلى المجمع، واضحٌ أنه في مكانٍ غير مكانه. وهذا نوعٌ مشهور بين الناس خصوصًا الرجال، حتى أني أتذكر حساب على الانستقرام ينشر صور أباءٍ في حالاتٍ يرثى لها. ولا أعرف لماذا يأتي هذا الأب؟ ولماذا لا يأخذ أبنائه إلى مكانٍ آخر يلائمهم بينما تنتهي الأم من صولاتها وجولاتها؟
- حزب الفاضين:
مجموعة من ثلاثة أصدقاء (أو صديقات) وأكثر، يتجولون بلا وجهة واضحة أو هدفٍ يصلون إليه وفي الرياض غالبًا ما ينتهي بهم المطاف في إحدى المقاهي الخارجية، أما في جدة فأتخيلهم يدورون ويدورون حتى يغلقوا مع المول. وهؤلاء قد يشترون إن كان بينهم شخص اندفاعي وعادةً يكون بينهم، وبهذه الطريقة يصبحوا إلى حزبٍ جديد تتعذر تسميته حاليًا.
- حزب الوحداني:
وهذا شخص، الحمدلله والشكر، جاء إلى المجمع وحده. نادرًا ما يبتاع شيئًا. مشيه سريع، ويبدو كأنه ذاهب إلى مكان ما لكن إذا ركزت معه ستجده يدور دون هدف. وفي الغالب جاء ليحضر فيلم أو يتناول وجبة سريعة حزينة.
- حزب الوالد:
أما هذا الحزب يمثله أغلب الآباء السعوديين لما يدخلون المولات وحدهم، ولآبائنا حاجتان في الدخول: إما هدية لأمهاتنا، أو عطر من عبدالصمد القرشي، والحمد لله أن محلات العودة والعطور عند الباب، لأن الآباء في المولات مثل الأسماك في الصحراء.
باعة الأكشاك
ككل المتسوقين، أحيانًا أحزن على باعة الأكشاك بسبب تجاهل الناس لهم وأحيانًا أكون أنا من يتجاهلهم. فإصرارهم على إعطائك الكرت ذا الرائحة النفاذة يحدّك على الردى أحيانًا.
أتساءل كم مرة نجحت هذه الحركة وعاد إليهم العميل؟ لا أتخيل عميل يشم الكرت ويقول “الله جميل! دوبي أنتبه إني أحتاج عطر” ويعود للشراء من الكشك، لأن الانطباع العام هو أن هذه العطور مقلدة أصلًا.
مرة أرادت إحدى البائعات إعطائي واحدة من هذه الكروت المعطرة فأخرجت رزمة من جيبي وقلت لها:
- والله عطوني عشرة قبلك.
فردت:
- ما يضرك واحد زيادة.
المول كممشى
فئة أخرى من الناس تتعامل مع المجمع التجاري كممشى، وهذه حركة حسنة مع حرارة الشمس التي من الممكن أن تحوّل مقولة “تقدر تقلي بيض” إلى واقع. ولاحظت أنهم من أسعد مرتادي المولات، والسبب غامض بالنسبة لي، لعل الجمع بين المشي والجو هو السبب.
حاضري السينما
لاحظت أن حاضري السينما لا يختلفوا كثيرًا بين الرياض وجدة مع فرق عدد الحضور الذي يرجح كفة الرياض المكتظة طبعًا. وذكرياتي مع السينما جميلة، إلا من تجارب قليلة مزعجة ومضحكة بسبب ناسٍ عجيبين.
عندما حضرت فيلم Captain Marvel كان بجانبي ثلاث أصدقاء خفاف دم جدًا، لدرجة أني من شدة تقديري لحسهم الكوميدي لم أقوَ على الضحك. ولم يكونوا يضحكون على الفيلم فهذا أمره هيّن، لكنهم كانوا يعلقون على كل مشهد ويكركرون بأعلى صوتهم على تعليقاتهم شديدة (شديدة) شديدة الفكاهة.
ومرة حين مشاهدتي لـ The Batman كان خلفي صديقين يشاهدان الفيلم للمرة الثانية، فكانوا يحللون الفيلم مشهدًا بمشهد ويعلقون عليه.
- شوف، واضح إنه الشرير. عيونه شريرة، عرفته من أول مشهد ياعمي.
كان تعليقًا جادًا من المحلل العظيم الجالس خلفي في كرسي 5A. أتساءل هل سيستطيع تحليل الأشخاص من أعينهم لو كان يشاهد الفيلم للمرة الأولى؟
*ملاحظة: الحمدلله أنها كانت مرتي الثانية في الفيلم أيضًا ولا كان جلطني مدير التحليل السينمائي وصديقه.
وأما المشهد العجيب الأخير، وهو مضحك أكثر مما هو بغيض، كان في فيلم الهامور: جماعة من خمس فتيات جلسن بجانب صديقي المسكين. وكن مندمجاتٍ جدًا مع الفيلم وهذه ليست المشكلة، المشكلة أن تعليقاتهن تكاد تصل إلى الممثلين في موقع التصوير من علوِّ أصواتهن. وكن يصرخن في وجه الممثل ويتعاطفن مع الممثلة لدرجة أني أظن أنهن لم يحضرن فيلمًا من قبل.
خاتمة
المجمعات التجارية جميلة ومسلية لفترةٍ قصيرة واستخدام الناس لها كممشى ومركز ترفيهي لطيف، لكن أخاف أن عدد الزوار للتسلية والمشي بدل التبضع يضع أفكارًا شريرة في رؤوس أصحابها.
بالإضافة إلى أنها ترعبني نوعًا ما إذ يلازمني شعور أنني في مكانٍ غير طبيعي، ولا زلت لا أطيق التبضع فيها فكثرة الخيارات كانعدامها بالنسبة لي، بل لا أطيق زيارتها لأي سببٍ غير السينما أو إمضاء الوقت في مكتبة فيرجن، وأيضًا لا أحب الجلوس فيها لفترةٍ طويلةٍ، فهو مزعج ومضر كالجلوس على رصيف يطل على مصنع.