تدوينة

عندما يدور رأسك أكثر من دوران الكرة الأرضية

عن أغنية رهيبة، وفيلم ملتوي، وسؤال سخيف

 

هذا الأسبوع نمت 15 ساعة في يوم واحد.

خبر سخيف؟

ممكن، إلا أني أستطيع تخفيف سخافته: آخر مرة نمت بهذا القدر كانت عندما أصبت بكورونا، وآخر مرة أكملت ثماني ساعات نوم كانت قبل سنة، ولم أعصِ أمي يومًا إلا في مواعيد النوم لأني أراه مضيعة وقت.

عل الأسبوع المليء بالسفر واللقاءات والسخونة هو السبب. ما علينا. ماذا حدث هذا الأسبوع؟

 

استمعت إلى:

 

  • All Along the Watchtowers, Bob Dylan

 

لم اخترق مجال بوب دلن الجوي بعد، فأنا في طور الاستماع إلى أشهر أغانيه تمهيدًا للغوص في العميق، وأقصد بالعميق ألبوماته وفيديوهات اليوتيوب عنه وعن القصص التي رواها.

من بين الأغاني المذهلة الكثيرة، صعقتني هذه الأغنية بالذات.

حتى تملك السياق: أحب عندما تستعير الفنون من بعضها بعضها. مثل أن تظهر كلمات أغاني في رواية، أو يظهر القالب المسرحي في فيلم، أو تمتلئ الرواية بمشاهد سينمائية. مثل إحدى فصول رواية الآن بدأت حياتي التي تتكون من حوارات مستمرة كمسرحية مع وصفٍ قليل، أو مثل ظهور أغنية ما عننا وعنك لطلال مداح في فصلي المفضل من رواية رؤى.

عندك السياق؟ تمام نعود للأغنية..

تتشكل هذه الأغنية من عنصرين: سرد وحوارات بين شخصيتين.

الأول أسماه الكاتب: المهرّج (The Joker) والآخر الحرامي (The Thief) تبدأ الأغنية بسؤالٍ يائس من المهرج:

«لا بد أن يكون هُناك طريق خارج هذا المكان»

يرد عليه الحرامي بصوتٍ حانٍ وناعم:

«كثير منّا يظنون أن الحياة ليست إلا نكتة، إلا أننا أنا وأنت مررنا بهذا الخاطر، ونعرف أن هذا ليس مصيرنا. الساعة متأخرة الآن، لذا لنترك اللغط»

هكذا ينتهي الحوار المشوّق المفتوح على التأويلات ليبدأ جزء السرد الذي لا يقل روعة:

على امتداد برج المراقبة حظي الأمراء بالطلة الجميلة،

بينما جاءت وراحت النساء رفقة الخدم حفاة الأقدام.

خارج المدينة، بعيدًا، زمجرت قطة برية.

واقترب راكبان إلى المدينة، قادمان مع عوي الهواء.

 

 

لو أنزلت هذا المقطع كمثال على سردٍ مثالي في التشويق وتأسيس المكان لما أنتبه أحد إلى كونها كلمات أغنية، فما بالك إن سمعته بصوت بوب ديلن الرخيم الأشبه بصوت سارد عليم.

هل الراكبان آتيان لنهب المدينة؟

هل هما محاربان عائدان من حرب؟

الحرامي والمهرج.. ماذا حدث ليُسميّا بهذا الاسم؟

ما معنى أن يقول الحرامي للـ “مهرّج” أن هذا ليس طريقهم؟

قلت إني لم أصل إلى العميق، وإن كان هذا السطح فحماسي لا يوصف لأبدأ الغوص.

 

شاهدت:

 

  • Blue Velvet, David Lynch

 

الأسبوعين الماضية كانت مليئة بالأفلام السريالية، لا أعرف لماذا. صحيح أن هذا الفيلم ليس أكثر أفلام لينش سريالية، إذ أن القصة تُروى من منظور خطي تقليدي، إلا أن فيها كل الأفكار الملتوية والإبداعية التي يمتاز بها عقل لينش.

يبدأ الفيلم بلقطاتٍ حالمة للمدينة المثالية: الطلّاب يذهبون إلى المدرسة، ورجل المطافئ يلوّح إلى أهل المدينة بابتسامةٍ كبيرة، ونرى سياجًا أبيض مزينًا بوردٍ أحمر يسر الناظرين.

لكن كلما بدى الشيء (أو الشخص) مثاليًا: كلما زاد ظلمة ما يخفيه.

وهذه القرية تخفي سرًا خطيرًا يبدأ بالتكشّف حينما يلاحظ البطل إذنًا مقطوعة تجرّه إلى كشف جريمة تحدث في المدينة الصغيرة الآمنة المثالية.

أحببت الحوارات اللافتة مثل تساؤل البطل في مونولوج عاطفي حول سبب وجود الشر في الحياة، والحوارات خفيفة الظل مثل قول الشرير «حبًا بفان جوخ» في فيلمٍ لقطته الافتتاحية إذنٌ مقطوعة هو من قطعها 🙂

كما أحببت البطل شديد اللقافة الذي رغم كل الإشارات المحذرة وعمره الصغير (ليس إلا طالب جامعة) إلا أنه قرر إقحام نفسه ببساطة لأن «ودّه يشوف». صراحة شعرت بارتباط كبير مع البطل وفضوله.

 

قرأت:

 

  • جر محراثك فوق عظام الموتى، أولغا توكارتشوك

 

رواية للكاتبة البولندية الفائزة بنوبل من منظور شخصية ظريفة وكريهة.

هذه الشخصية هي امرأة كبيرة في السن، من النوع الذي يتصل على الشرطة لأن جارها صاد حيوانًا دون تصريح، والذي يرى أن الحياة هي واحدة سواءً حياة إنسان أو حيوان، وأشياء أخرى تزعج جيرانها وتجعلها منبوذة.

تبدأ الرواية بموتٍ غامض لجارها الذي تسميه القدم الكبيرة. المشهد الافتتاحي كان مقشعرًا (تحذير حرق!): خصوصًا حينما بدأوا بتغطية جثة الرجل وملاحظة يده المتصلبة، وعينه الغائرة، وردة فعل الجسد الآلية وتفله الدماء بعدما أخرجوا العظمة العالقة في حلقه.

ما أزال في الخمسين صفحة الأولى، ولكن الشخصية جذبتني وحمستني لأعرف عنها أكثر. رأيت فيها تميزًا غريبًا مع تصديقًا تامًا لوجودها، وهذا في ظني علامة الشخصيات المميزة.

 

نشرت:

 

  • هل تخترع أسلوبك؟

 

من الأسئلة التي تتغير أجوبتها حسب الشخص ورحلته، هو سؤال الأسلوب.

هل يجمّع الكاتب أسلوبه من كتاب مختلفين؟

هل يقلّد كتابًا آخرين؟

هل يشتريه من متجر الأسلوب وقت الجمعة البيضاء؟

هل الأسلوب شيئًا “يُقتنى” أصلًا؟

جاوبت على كل هذه الأسئلة في المنشور الأخير الذي تستطيع قراءته من هنا.

 

سؤال أخير: إذا كنّا نصعد وننزل في المصعد، لماذا نسميه مصعد فقط، ليه ما نسميه مُنزِل؟ هل لأن الصعود أصعب والنزول ممكن أن يحدث مع السلالم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى