مقالة

كل القصص متشابهة

ماذا لو اخبرتك أن للقصص هيكل مُوحّد، وأنك ستجد بصمات هذا الهيكل على جميع القصص التي تقرأ؟

قبل إصدار حكمك، استمع لما عند الكاتب الأمريكي دان هارمون مخترع دائرة القصة، الهيكل الذي نتحدث عنه.

يدّعي دان أن جميع القصص تتبع ولو جزءً من هيكله، والقصص التي تتمرد على هيكله الحبيب لا ينظر القارئ إليها “كقصة” أصلًا!

لكن لحظة، من أين أتى هذا الهيكل وهل اخترعه الكاتب؟

لا وجود للـفكرة الأصلية

كما أصبحت تعرف بعد محاولاتٍ إبداعية مُحبِطة مثل الكتابة -أو بعد تجاوزك عمر الـ 18- أغلب الأفكار هي تقليدٌ رديء في أسوأ الحالات، أو تطوير في أحسنها لأفكارٍ سابقة، وصديقنا دان لم يشذ عن القاعدة.

في العام 1949م أصدر جوزيف كامبل كتابه البطل بألف وجه الذي كتبه بعد تحليل الأساطير والحكايات التي تناقلتها البشرية، أشهر ما خرج من هذا الكتاب هو هيكل رحلة البطل الذي استنتجه الكاتب بعد دراسته “للأبطال”

في الحكايات الأسطورية في تاريخ البشرية.

صديقنا دان أُعجِب بالفكرة، ولكنه رأى آثار الزمان عليها. فأزال غبار القرن العشرين عنها واستشف منها نظريته الخاصة المُسماة بدائرة القصة والتي هي رحلة البطل إن عاش في قرننا الواحد والعشرين.

ما رأيك أن نستعرض خطوات الهيكل بسرعة وخفة مع مثال لكل خطوة؟

أنت

في هذي المرحلة نتعرف على البطل، نراه في عالمه ومنطقة راحته، عادةً هذي المرحلة لا تتجاوز صفحات قليلة لكن لا تنتهي إلا بعد فهمنا لعالم البطل -المريح بالنسبة له- تمامًا.

مثال: فتى مريخي، يعيش في كوكبه ووسط أهله، مرتاحين وهانئين لا يكدّر خاطرهم شيء، أو هكذا نظن.

تحتاج

بطلنا يُعاني من خطبٍ ما، عنده رغبة تحرقه يريد السعي خلفها، في هذي المرحلة نعرف سواءً بتلميح أو بتصريح العواقب التي من الممكن أن تلحق بطلنا لو تبع رغبته.

يريد الفتى السفر لزحل، رغم اخبار أباه المريخي بضرورة بقاءه رفقته فهو لا يعرف كم يومًا تبقى له قبل أن ينهش السرطان جسده ويُدفن في قبور المريخ (هل في المريخ قبور؟ ما أدري).

تسعى

بداية الرحلة، هُنا بطلنا الحبيب يخرج من منطقة الراحة إلى عالم المجهول ويعيش وضعًا غير مألوف. في هذه المرحلة ينتقل إلى العالم الجديد ويدخل مرحلة المجهول.

ينتقل بطلنا لزحل، باحثًا عن الشهرة، أو الوظيفة، متجاهلًا الحاجة الواضحة والملحة لوالده المريض.

وتبحث

بعد خروجه من منطقة راحته، بطلنا وصل إلى حالة تحتم عليه التأقلم مع الوضع، تظهر عليه هنا آثار هذا العالم الجديد.

نرى بطلنا يعاني من وحدةٍ وضيقة، الزحليين لهم عاداتهم المختلفة عن المريخيين، والمنافسة أشد هُنا، وهو وحيدٌ في كوكبه.

لتجد

هنا يجد البطل ما بحث عنه في الخطوة رقم إثنين ليتفاجأ بأن مراده ليس مراده، بل هُناك حاجةً أشد إلحاحًا كان يجدر به السعي خلفها. هنا يكون البطل في قمة ضعفه، كل قوته سُلبت منه ووصل للحظيظ.

ينجح البطل أخيرًا بعد عناء في الوصول لما أراد، وظيفة مرموقة في زحل، أحلام مراهقته أصبحت حقيقة. ولكن بعد زوال نشوة الفرحة، يشعر بإحساسٍ غريب من اللاشيء.

وتأخذ (عقوبتك)

يدفع البطل ثمن الدرس المُتعلَّم، وهنا يجب أن يدفع ثمنًا ضخمًا لأن كل ما زاد الثمن المدفوع كل ما أشتد وقع القصة.

يتعلّم البطل أهمية العائلة، فالأب -الذي كان في أمس الحاجة إليه، توفى بالسرطان. اكتشف أن رغبته (الطموح المتمثل في السفر لزحل) لم يكن بنفس أهمية حاجته (البقاء بجانب أبيه المحتضر).

ثم تعود

بعد تعلّمه، وقف البطل في وجه المشكلة، هزم الشرير، تزوج الأميرة، تغير وحل مشكلته وتعلم، حان الوقت للعودة لمنطقة الراحة.

لا يُشترط أن يعود البطل للمريخ حرفيًا، ولكن تنتهي القصة به متعلمًا ترتيب أولوياته ومع إعلام القارئ/المشاهد بالتلميح غير المباشر بأنه في حال عودة الزمن بالبطل، سيختار اختيارًا مخالفًا، هذا الطور من أطوار القصة مليء بالرمزية وهو ما يمثل “الحكمة” من النص.

بعد أن تتغير

من الأفضل هُنا ألا تسرد التغير بل تصفه، أن تُري القارئ تغير بطلك ولا تعطيه خبر مباشر، أن توضح تغيره في حوار أو فعل مختلف، أو حتى في شيءٍ رمزي أبقاه معه طول القصة ثم قرر التخلص منه. وتجنب كتابة الوصف الواضح:

وعاد لدياره، متعلمًا درسه.

دائرة دان

وهكذا تكتمل الدائرة، لتظهر بهذه الطريقة:

دائرة دان والتماثل

لو تلاحظ، لسبب مجهول فكرة دان تبدو منطقيةً جدًا!

يقول الكاتب إن سبب نجاح دائرته ليس فقط التسلسل المنطقي للأحداث لكن أيضًا مخاطبة القصة للعقل اللاواعي للقارئ.

كل متناظر من أرقام الدائرة له أحداث إما معاكسة أو مكملة، لكن صديقنا دان يقول الأمر أعمق وأعمق، ويأخذنا للمستوى الأعلى: الدائرة نفسها لو تقسمها بأي شكل متماثل بتعطيك ترابط عجيب!

خاتمة

هل جميع القصص يجب أن تمر بكل مرحلة من المراحل؟ لا، حتى الكاتب يقول أن بعض القصص لا تحتاج للمرور بكل نقطة، بل يقول بعض القصص قد تنتهي في مرحلة البحث، أو العقوبة، وبعض الأبطال لن يتعلموا شيئًا.

وبعض الكُتّاب الفريدين قد يُعدلّوا على مرحلةٍ من المراحل أو يحاولوا التمرد عليها، وكما يمكن أنك لاحظت، في مرحلة ثم تعود لم يكن المثال مطابقًا تمامًا للهيكل، ولكنه لم يخل بمعناها.

ككاتب أؤمن بتمرّد الكتابة بطبعها فما تنشئ أن تخبر كاتبًا بقاعدة حتى كانت ردة فعله الأولى محاولة كسر هذه القاعدة، جميعنا هكذا، ولا أعرف لماذا (موضوع مقالة قادمة؟).

الفكرة من تشابه القصص هي تشابه في المراحل، وليس تشابه في المعنى، مثلًا رحلتك من البيت للدوام هي ذات الرحلة، لكن هذا لا يعني أن مزاجك واحد، ومشاعرك واحدة، وحالتك واحدة، رغم أن وجهتك دائمًا واحدة، وهكذا القصص تتشابه في الهيكلة وتختلف في المعنى.

لذلك، أظن أن قاعدة دان هارمون مفيدة جدًا لك في تحليل وتنظيم قصتك، لكنها ليست مقياسًا لنجاعتها، فمثل ما أدعى دان نفسه بأن رحلة البطل عتى عليها الزمان، قد تكون دائرة القصة خاصته في أمس الحاجة لتعديلٍ يناسب زماننا المتسارع. ودائمًا هُناك الاحتمال المُريح: القصة سائل زئبقي لا يقبل القواعد، فقط أروِ القصة اللعينة.

عجبتك القصة؟ 

اشترك في المدونة حتى لا تفوتك قصصٌ مثلها

‫4 تعليقات

اترك رداً على دليلة رقاي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
×